:: صفحة البداية :: زعتر وهليون
في المدرسة
في الموقع
نحن نتعلم
galil PLUS
مشاريع وبرامج

 

 
 
أكلــة لوف في حطيـــن
| 9/5/2004 | الشاعر محمود مرعي |

اتصلت بصاحبي بعد صلاة الجمعة، وقلت له:
ـ إلى أين سنمضي اليوم؟؟.
ـ إلى حطين، فهناك رحلة سبقتنا منذ الصباح.
ـ ولماذا لم تخبرني؟؟ كنا ذهبنا مع الرحلة.
ـ هذا ما جرى، هل سنذهب أم لا؟؟.
ـ طبعا سنذهب، انتظرني دقائق وأكون عندك، معي مناقيش ساخنة خرجت للتو من الفرن.
ـ حسنا سأعد القهوة ريثما تأتي.

ركبنا السيارة وانطلقنا باتجاه الشرق مخترقين قرية كفر كنا، مارين على الشارع عن يمين قرية طرعان، مرورا بمسكنة فلوبيا.

حين تطل من على التلة بعد أن تقطع مفرق لوبيا الجديد (لفي)، تحس كأن الفضاء انفتح أمام عينيك وانكشف المكان حتى الاردن كشاشة تعرض فيلما، ترى أطلال القرى التي كانت عامرة ذات يوم وأمست قفرا من أهلها وناسها، وترى مكانها الموستوطنات، وترى بوريا على ظهر التلة فوق طبريا، ومن الجهة الشمالية، ترى هضبة حطين وبعض الناس منتشرين هناك، ربما يجمعون الزعتر الحطيني، أو البقول، فالخضرة لم تدع بقعة إلا وغطتها.

الجو دافئ جدا اليوم في ساعات الظهيرة، والهواء يملأ رئتيك، وتتنفس بعمق، فهواء البلاد لا يدانيه هواء، رغم أن الهواء واحد في كل الكون، لكن هواء بلادنا في فصل الصيف حين يختلط برائحة الزعتر وسواه من الأعشاب يزيد الروح نشوة، ولا تعجبوا من قولي فصل الصيف، فقد ذكر ابن منظور في لسان العرب أن العرب كانوا يسمون الفصول: الصيف، القيظ، الخريف، الشتاء، أي أن ما نسميه فصل الربيع، سماه العرب قديما فصل الصيف، وهو فصل الكلأ.

وصلنا مفرق حطين، وانعطفنا يسارا ثم أخذنا الطريق مرورا بسهل حطين، وهنا لا بد للخيال أن يشطح، ورحم الله ذلك المؤرخ الذي لا يحضرني اسمه، ولعله ابن الأثير، حيث قال: (مررت بسهل حطين بعد خمس سنوات على معركة حطين فوجدته مغطى بالجماجم). يرحمك الله أيها المؤرخ، لقد مررنا بالسهل بعدك بما يقارب الألف عام، ووجدنا البلاد غير البلاد التي مررت بها. وجدنا بعض المستوطنات منتشرة في المكان، ولعلك لا تعرف معنى كلمة مستوطنة، فهي لم تكن معروفة على عهدك، بل استحدثت في عصرنا.
 
حضر صلاح الدين رحمه الله بلباسه العسكري، فوق حصانه، وعلى رأسه خوذة الحرب، شاكي السلاح، كأنه ما زال في حالة حرب إلى يومنا، وانطلق أمامنا قاطعا السهل يبكي، حاولت سؤاله عن سبب بكائه، لكنه غاب كلمح البصر.
 
وصلنا إلى حطين العربية، أعني الأطلال، وأوقفنا السيارة في ساحة المسجد، ذلك المسجد الذي ما زالت مئذنته تشكو إلى الله وحدتها وخلوها من أهلها، وانقطاع صوت الأذان من فوقها، ويأتي صوتها إلينا في الأسفل:
 
منذ خمسين والأذان بعيدُ           منذ خمسين والعيون تجودُ
أين من بالأذان كان أليفي          أين عمار مسجدي وسجودُ
نزلنا من السيارة، وأنزلنا القهوة والمناقيش، ودخلنا من السياج إلى داخل المسجد، ثم صعدنا فوقه وجلسنا على السطح، مسندين ظهرينا إلى المئذنة. لم نصبر بل نهضنا، فالمنظر المحيط يبهر العين، ويشعل الذاكرة، ويقدح زناد الفكر ويثير الشجن، رحنا نتأمل المئذنة في صمتها وخشوعها وذلتها وبؤسها في "عصر الحضارة" وأطلال القرية الشاخصة أمام العين:
 
أتينا إلى حطين وهي حبيبة        فصاحت هلا والدمع كالسيل يَدْفُقُ
ونادت بأعلى الصوت قائدها     الذي مشى ذات يوم والأسنة تَبْرُقُ
رعى الله يا حطين أزمان عزة    فكفي دموعًا ، كاللهيب تُحَرِّقُ
قلت لصاحبي:
- إن المئذنة تبكي فاسمع أنينها، وانظر دموعها.
 
جلسنا وأكلنا بعض المناقيش، ثم شربنا القهوة فوق سطح المسجد، وما زلنا مبهورين بالمنظر. وتحدثنا مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الاسلامية عبر موقعها على شبكة الانترنت عن مسجد حطين:
 
(يحتوي مسجد حطين على قاعة صلاة تبلغ مساحتها ما يقارب ال 55 مترا مربعا، مئذنة ما زالت قائمة، كما ويحتوي المسجد بجانبه على غرفتين ملتصقتين به لاستقبال الضيوف، ذواتي أقواس داخلية وخارجية، غرفة أخرى بعيدة نسبيا عن المسجد وتبلغ مساحتها 36 مترا مربعا. بعد تهجير سكان القرية بقي مسجد حطين متروكا ولا تقام به الصلاة، حيث قام اليهود بإغلاقه بقضبان حديدية، لهدف عدم استعماله للصلاة. بالنسبة للوضع الخارجي، فمبنى المسجد نفسه بوضع لا بأس به لا سيما يوجد بعض التسطحات الخارجية، لكنها لا تشكل خطراً على بقائه صامدا، بالإضافة الى الأعشاب التي تعلو سقفه وساحاته. أما السور المحيط به فآيل للسقوط حتى أنه توجد بعض الأقسام منه قد انهارت، كذلك المراحيض التي هدمت بشكل جزئي بالإضافة الى الغرفة الموجودة في الساحة المحيطة بالسور. بالنسبة للوضع الداخلي للمسجد، فهو متروك مما يعني انعدام الصيانة، فالواجهات متسخة والرطوبة ظاهرة عليها، لذلك قامت مؤسسة الأقصى بمسح المنطقة والعمل على تحضير خرائط تفصيلية للمسجد والعمل على ترميم المسجد وصيانته، لكي يبقى مع مئذنته الشامخة صامداً بين سهول وجبال قرية حطين المهجرة).
 
اتجهت بنظري جهة الجنوب حيث يقع مقام النبي شعيب عليه السلام، حيث شجر الزيتون المزروع على السفح، يثير في النفس أمورا عديدة، فلا تصدق أن من غرس الزيتون على هذا الجبل من أسفله إلى أعلاه، يمكن أن يفكر بترك المكان والهرب، فهو دلالة على قوة أهله وبأسهم، ولا يمكن أن تصدق أن القوم يخافون ويهربون ساعة اللقاء.
 
وتتدخل مؤسسة الأقصى مرة أخرى وتطلب حق الكلام عن حطين فلديها ما تقوله: (قام اليهود باحتلال القرية وهدمها في تاريخ 16/7/1948 حيث بلغ مجموع اللاجئين من هذه القرية في عام 1948 حوالي "8477" نسمة، وضموا أراضيها الى مستعمرة (كفارحطيم) المقامة بجوار القرية منذ عام 1936. بعد هدم القرية وتشريد سكانها عام 1948 لم يبق من بيوتها ومعالمها سوى مسجد حطين الذي ما زالت مئذنته شامخة بين جبالها).
وتهادى صوت خرير ماء النبع إلينا، كان صوت الماء يزيد في جمال المنظر وروعته، والطير حولنا لا ندري صوتها في تلك الساعات، أهو غناء أم نواح، بل لا ندري ماذا يقول صوت الماء لحظتها.
 
تحت مصب النبع قبلي المسجد ينتشر القصب والخروع وهناك نخلة تنوح وحدها، وبعض شجر التين والزيتون والتوت، لكن برزت توتة معمرة سامقة وقد بدأت الخضرة تغطيها.
 
تحولنا بعيوننا إلى جهة الغرب، حيث الزيتون يمتد متسلقا التلة أيضا خلف مجرى النبع، والصبر أيضا يمتد هناك كحد بين قطعة أرض وأخرى، وأمام العين مجرى النبع بين القصب وصوت الماء يثير الشجن.
 
قال صاحبي: لنذهب إلى مصب النبع، نتوضأ ونصلي العصر، فنزلنا عن سطح المسجد ودرنا خلفه عبر طريق ملآى بالعوسج (العليق) بين شجر الخروع، وما زلنا حتى وصلنا السياج المتقاطع مع شبكة الحديد، تسلقنا شبكة الحديد حتى علو السياج وعبرنا، ومضينا حتى المصب:
اثناء مرورنا بين العوسج كان بعض الهليون يمتد إلى أعلى من خلال العوسج متجها نحو السماء، كأنه يقول أنا هنا متحديا الحاضر المر، وعند المصب لمحت بعض نباتات الحميض، لكنها كانت كبيرة الحجم، فقلت لصاحبي:
ـ انظر هذا الحميض، ما شاء الله، إنه كبير جدا.
ـ ما شاء الله، لكن نحتاج إلى اللوف، لا شك أنه يوجد بعض اللوف.
 
وقفنا على مصب الماء، لكن لم نتوضأ هناك، ثم عدلنا ورحنا نجمع اللوف والحميض، حتى جمعنا مقدارا لا بأس به، ودرنا أثناء الجمع حول السياج الحديدي شرقي المسجد، حتى وصلنا إلى النبع عند شجرة الكينا، وراح صاحبي يجمع الشومر، وذهبت وتوضأت من النبع.
صلينا العصر على العشب هناك، وجلسنا، وأتينا على ما تبقى من المناقيش والقهوة، وكانت مدينة صفد تلوح من بعيد فوق الجرمق، ومن الجهة الأخرى تلوح في البعيد أيضا قرية الرامة على الجبل، وقرية المغار، هكذا كان تخميننا لحظتها، وفي الشرق يلوح قرن حطين يطل على بحيرة طبريا كالأسد الرابض.
 
كان كل ما حولنا ينطق ويروي قصة حطين وما جرى لها، ولكل شجرة قصة ترويها، وكل نبتة لها قصة، حتى الماء الجاري بالجنب والحصى فيه عنده قصة يريدك أن تسمعها:
وفي حطين أخبار فجئها         تجد في كل ركن ألف قصهْ
فذا شجر يقص عليك مجدا      غفا بظلاله وزها وخصهْ
وذا نبت وذا ماء فأنصتْ       ولو بَدَتِ العواقبُ ألف غصهْ
 قلت لصاحبي وقد استلقى على ظهره على العشب وراح يتأمل منظر السماء بلا غيم:
ـ ما رأيك هل نعود إلى البيت أم نبقى بعض الوقت؟؟.
ـ إن أردت العودة فلنعد.
ونهضنا إلى السيارة، وانطلقنا عائدين، وصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، يصدح بآيات سورة الكهف.

قراءات: 1280 تعقيب أرسل لصديق طبــاعة
 
تعقيبات القراء

[1] والله الوف اكله بتشهي وقريت عنه انو مفيد جدا من ال
12/4/2010 13:6:17ام سعيد
 
| صفحة البداية | كلمة المدير | منتديات | أكتبوا لنا | أخبر صديقك | صورة الموقع | جاليرية صور | أفلام فيديو |

Email WebMaster

   

Email School

حقوق الطبع محفوظة
مدرسة الجليل التجريبية - الناصرة