:: صفحة البداية :: شظايا أدبية
في المدرسة
في الموقع
نحن نتعلم
galil PLUS
مشاريع وبرامج

 

 
 
الزمكان الفلسطيني
| 20/8/2005 | فيصل طه |
نعايش الآن حالة ينقضي فيها الزمن البيولوجي المتاح لصاحب مفتاح الدار لحافن تراب الوطن المثقل بالذكريات والأحلام الواعدة بالعودة.... للمشاهد المشارك والشاهد لنكبته، لنكبة شعبه، لنكبته التي فاقت حدود الزمن، لهذا اللاجئ بجوار الوطن خلف جدرانه، لهذا اللاجئ الضحية، لهذا اللاجئ الفلسطيني الطيب طيبة طيب الوطن، الصابر صبر بلاده .نعايش الآن فترة يذهب فيها هؤلاء الأحبة الذين حرمنا رؤية محياهم كما حُرموا هم، مُنع التواصل المباشر ونما الخيال ليمد جسور التلاقي عبره، عبر خيال الافتراض.
 
 
يذهب هؤلاء الأحبة ذهابا تتابعيا تراجيديا محتقنا بحسرة خانقة لأمل لم يتحقق، لعودة لم تتم. إنها حالة تتجلى فيها المأساة الفلسطينية بخصوصياتها الفريدة المطوّلة عنوة وقهرا، القاتلة للحالم وحلمه، الدافنة للحلم وحالمه هناك حيث نصبت خيمته الأولى والأخيرة، علها تصبح شاهدا تثير حنين العودة مجددا لوارثي الحلم... وهل تورث الأحلام؟؟؟....
 
يذهب هؤلاء الأحبة موتا لا ينتظر، ويحتضر من تبقى في هامش الانتظار نحو موت لا يتأنى بل يتأتى مثقلا متعبا كحالة اللاجئ قبيل الرحيل الأخير، كحالة ذاكرته المعتقة المثقلة المتعبة الجوالة في غياهب ومعالم الأشياء التي كانت في الامس عامرة ،هذا الأمس الرابض على صورته الأخيرة قبيل النكبة الجاثم في مخيلة من أصابتهم هزة النكبة،الأمس الثابت الجامد الذي لا يبدي حراكا زمنيا مكانيا، بل نُحت في زمكانه الثابت مولدا ذاكرة استحوذت خلايا الدماغ كلها، ذاكرة وسعها الوطن وجميع مكوناته الحية وغيرها، اختزلت في مستقرها في الدماغ الفلسطيني.
 
عقم اللقاء بين الشق المهجر في وطنه والشق اللاجئ في بلاد العرب أوطاني!!، صبَّ اوجاعا فوق اوجاع المأساة الفلسطينية وفجّر لوعة ما بعدها لوعة، وحنينا عصّي الوصف والرصد ما ابدع في خلق اشكال تَخاطب تتلاقى فيها روائح الاحبة والاماني وملامح الوطن واحباؤه ، تزدحم الاحلام باللقاءات ويتراجع الواقع مشاهدا وشاهدا لحالة ابداعية بديلة له ، وتصبح الحياة هنا في شقنا وهناك في شقهم حلما واقعيا وواقعا حالما، تداخلا مبهرا لا ينفك فيه الحلم عن الواقع كصقل بلورة واحدة، ترى المخيم بناسه منصوبا فينا كما نرى الوطن قابعا فيهم، هم لاجئون فينا ونحن مهجرون فيهم، ألسنا من صقل واحد؟!
 
عرجتُ بأحلامي الحدود وجاورت المخيم ، صمتٌ هامد على المخيم، حراك بطيء تناجيه آهات خافتة تخاطب سكون الليل الرتيب، تخالطه جلبة الحنين وبريق العيون الساهرة.
 
لمحت دمعة دفؤها جذبني وبهرني وميضها، تابعت انسيابها على اخدود الخد حتى استقرت في قسطل ماء صفورية. عدت الى هنا لامستها ثم عدت الى هناك لامستها انها هي ، هي... قطرة دمع تكورت في بؤرة ذكرى حالمة تشع من ذاك العبث بعثا جديدا يفض فضاء المخيم المزدحم بالذكريات الحالمة بالعودة الموعودة ويرتقي باحماله ويهبط بها على اديم الوطن على ماء القسطل وعلى احجار القلعة الناطرة، ثم يرتقي بأطياب الوطن واعباقه هابطا مخيلة المخيم، ثم جيئة وروحة، وروحة وجيئة وربما عودة، انه سفر الاحلام في مساره الفلسطيني المؤقت الممتد الى حين... الى حين يقتنص ارقاعا من المستقبل، يمتد الماضي بماضيه ويمضي الى مستقبل غامض انها حالة يلتهم الماضي الفلسطيني مستقبله ويصبح ماضيا دؤوبا ينوء بأعباء وآلام النكبة التي انفلقت وأفلقت مصابيها وما زالت.
 
نعايش الآن مرحلة يذهب فيها هؤلاء الأحبة وتذهب ذكرياتهم الحالمة ويبقى الغضب، الغضب... وهو المشهد الآتي!....

قراءات: 890 تعقيب أرسل لصديق طبــاعة
 
تعقيبات القراء

لا يوجد تعقيبات!!

 
| صفحة البداية | كلمة المدير | منتديات | أكتبوا لنا | أخبر صديقك | صورة الموقع | جاليرية صور | أفلام فيديو |

Email WebMaster

   

Email School

حقوق الطبع محفوظة
مدرسة الجليل التجريبية - الناصرة